ما الفرق بين محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية l الخلفية التاريخية
محكمة العدل الدولة والجنائية الدولية
مقدمة
زاد الاهتمام الإعلامي بمحكمة العدل الدولية في يناير 2024 ،
في أعقاب قرار جنوب أفريقيا برفع دعوى ضد إسرائيل
فيما يتصل بادعاءات الانتهاكات الإسرائيلية لالتزاماتها بموجب اتفاقية
منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها،
فيما يتعلق بالفلسطينيين في قطاع غزة
وفي محاولة لفهم الفارق بين المحكمتين
سنتناول ذلك في أكثر من جزء
وسوف نخصص الجزء الأول هذا
للخلفية التاريخية والسياق التاريخي لنشأة المحكمتين
وتُعد كل
من محكمة العدل الدولية ال I c j
والمحكمة الجنائية الدولية ال I c c
من أهم المؤسسات القضائية في النظام
الدولي، حيث تلعبان دورًا حاسمًا في تعزيز القانون الدولي وحل النزاعات. تأسيس كل
من المحكمتين له خلفية تاريخية غنية ومعقدة ترتبط بالتحولات العالمية الكبيرة،
بما في ذلك الحروب العالمية وتطور القانون الدولي
في
هذا الجزء
سنتناول الخلفية التاريخية التي أدت إلى تأسيس كل من محكمة العدل
الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.
أولاً : الخلفية التاريخية لمحكمة العدل الدولية
1 نشأة القانون الدولي
بدأت فكرة القانون الدولي في الظهور في القرن السابع عشر، مع بروز دول
ذات سيادة تحتاج إلى قواعد تنظم العلاقات بينها.
أبرز المفكرين في هذا المجال
كان الفقيه الهولندي هوغو غروتيوس، الذي يُعتبر أحد مؤسسي القانون
الدولي. في كتابه "عن قانون الحرب والسلام
الذي نُشر عام
1625،
حيث وضع غروتيوس أسسًا قانونية للعلاقات بين الدول.
2 المحاكم الدولية الأولى
ظهرت فكرة المحاكم الدولية كأداة لحل النزاعات بين الدول في القرن
التاسع عشر.
كانت محكمة التحكيم الدائمة (PCA)
، التي أُنشئت بموجب اتفاقية لاهاي الأولى لعام 1899، واحدة من اُولى هذه المحاولات.
هدفت
PCA إلى توفير منتدى للتحكيم الطوعي للنزاعات
الدولية، لكنها لم تكن تملك سلطة قضائية ملزمة.
3 تأسيس عصبة الأمم ومحكمة العدل الدولية الدائمة
بعد الحرب العالمية الأولى، أدت رغبة المجتمع الدولي في منع النزاعات
المستقبلية إلى تأسيس عصبة الأمم في عام 1920. كجزء من هذا الجهد، تأسست محكمة
العدل الدولية الدائمة p c I j
في عام 1922 كذراع قضائي لعصبة
الأمم. رغم أنها كانت خطوة كبيرة نحو القضاء الدولي،
إلا
أن
p c I j عانت من عدم الفعالية بسبب عدم
انضمام بعض القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة.
4 الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة
أدى الدمار الهائل الذي تسببت به الحرب العالمية الثانية إلى إعادة
التفكير في النظام الدولي. في عام 1945، تأسست الأمم المتحدة بهدف تعزيز السلام
والأمن الدوليين. كان من الواضح أن وجود محكمة قضائية قوية ومستقلة سيكون جزءًا حيويًا
من هذه البنية الجديدة.
5 تأسيس محكمة العدل الدولية
الحالية
ال I c j
في عام 1945، تم توقيع ميثاق الأمم المتحدة، الذي أنشأ محكمة العدل
الدولية كخليفة لمحكمة العدل الدولية الدائمة
. افتتحت ICJ رسميًا
في عام 1946، ومقرها في لاهاي، هولندا
تتمثل مهمتها في تسوية النزاعات القانونية بين
الدول وتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي تحيلها إليها الأجهزة
والوكالات الدولية.
ثانياً الخلفية التاريخية للمحكمة الجنائية الدولية
1 الجرائم الدولية ومحاكمات نورمبرغ وطوكيو
ظهرت فكرة المحكمة الجنائية الدولية كرد فعل على الفظائع التي ارتكبت
خلال الحرب العالمية الثانية. أنشأت قوى الحلفاء محكمتي نورمبرغ وطوكيو لمحاكمة
القادة النازيين واليابانيين المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
كانت هذه المحاكمات أول محاولة فعلية لمحاسبة الأفراد على الجرائم الدولية على
نطاق واسع، ووضعت سوابق قانونية هامة.
2 الحرب الباردة والتقدم البطيء
رغم النجاح النسبي لمحاكمات نورمبرغ وطوكيو، إلا أن بداية الحرب
الباردة أعاقت التقدم نحو إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة. كان هناك انقسام كبير
بين القوى الكبرى، مما جعل التعاون الدولي في هذا المجال صعبًا.
3 انتهاكات حقوق الإنسان في التسعينات
أدى انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة إلى تجدد الاهتمام
بإنشاء محكمة جنائية دولية. في التسعينات، شهد العالم فظائع جديدة مثل الإبادة
الجماعية في رواندا (1994) والحرب الأهلية في يوغوسلافيا السابقة. استجابت الأمم
المتحدة بإنشاء محكمتين جنائيتين دوليتين خاصتين: المحكمة الجنائية الدولية
ليوغوسلافيا السابقة (ICTY) و
المحكمة الجنائية الدولية لرواندا (ICTR). كانت
هذه المحاكم خطوة هامة نحو الاعتراف بالحاجة إلى محكمة دائمة.
4 نظام روما الأساسي وتأسيس المحكمة الجنائية الدولية
في عام 1998، اجتمع ممثلو 120 دولة في روما واعتمدوا نظام روما
الأساسي، الذي أسس المحكمة الجنائية الدولية. دخل النظام الأساسي حيز التنفيذ في 1
يوليو 2002، بعد أن صادقت عليه 60 دولة. مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي،
هولندا، وهي تتمتع بولاية قضائية على الجرائم الأشد خطورة التي تثير قلق المجتمع
الدولي، مثل الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب.
الفارق بين المحكمتين
تأسيس كل من محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية يمثل
علامة فارقة في تطور النظام القانوني الدولي. محكمة العدل الدولية، التي تأسست في
أعقاب الحرب العالمية الثانية، تهدف إلى تسوية النزاعات بين الدول وتعزيز احترام
القانون الدولي. أما المحكمة الجنائية الدولية، التي أنشئت في بداية الألفية
الجديدة، فتسعى إلى محاسبة الأفراد على الجرائم الدولية الخطيرة ومنع الإفلات من
العقاب. كلا المحكمتين تعكسان تطورًا تاريخيًا هامًا في سعي البشرية لتحقيق
العدالة والسلام الدولي.
مقارنات لتوضيح الفارق
في النظام القانوني الدولي، تلعب المحاكم الدولية دورًا حاسمًا في
تعزيز القانون الدولي وحل النزاعات بين الدول والأفراد. من بين هذه المؤسسات، تبرز
محكمة العدل الدولية (ICJ) والمحكمة الجنائية الدولية (ICC) ككيانين
رئيسيين لكل منهما ولاية محددة ووظائف متميزة. يتناول هذا المقال الفروق الجوهرية
بين هاتين المحكمتين من حيث التأسيس، الاختصاص، الإجراءات، والأهداف.
1 التأسيس والنشأة
محكمة العدل الدولية (ICJ):
- التأسيس: تأسست
في عام 1945 كجزء من ميثاق الأمم المتحدة.
- المقر: مقرها
في لاهاي، هولندا.
- العضوية: تتكون
من 15 قاضيًا يتم انتخابهم لفترة 9 سنوات من قبل الجمعية العامة ومجلس الأمن
التابعين للأمم المتحدة.
المحكمة الجنائية الدولية (ICC):
- التأسيس: أنشئت
بموجب نظام روما الأساسي في 1998 وبدأت عملها في 2002.
- المقر: مقرها
أيضًا في لاهاي، هولندا.
- العضوية: تتكون
من 18 قاضيًا يتم انتخابهم من قبل الدول الأطراف في نظام روما الأساسي.
2 الاختصاص القضائي
محكمة العدل الدولية:
- النطاق: تختص
بحل النزاعات بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
- المسائل: تشمل
النزاعات حول الحدود، الانتهاكات للمعاهدات الدولية، والمسائل المتعلقة
بالسيادة.
- الطبيعة: قراراتها
ملزمة للأطراف المعنية إذا قبلت الدول المعنية اختصاص المحكمة.
المحكمة الجنائية الدولية:
- النطاق: تختص
بمحاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم دولية خطيرة مثل الإبادة الجماعية،
الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب.
- المسائل: تركّز
على المساءلة الفردية وليس النزاعات بين الدول.
- الطبيعة: يمكن
للدول والأفراد أن يكونوا موضوعًا للتحقيق والمقاضاة، وقراراتها ملزمة إذا
كانت الدول المعنية قد وقعت وصدقت على نظام روما الأساسي.
3 الإجراءات
محكمة العدل الدولية:
- آلية
الدعوى: تُرفع
القضايا عادة من قبل الدول ضد دول أخرى.
- إجراءات
الاستماع: تشمل
تقديم المذكرات المكتوبة والمرافعات الشفوية.
- قرارات: تصدر
قرارات ملزمة ويجب أن تحترمها الدول المعنية.
المحكمة الجنائية الدولية:
- آلية
الدعوى: يمكن أن
تُرفع القضايا من قبل الدول، مجلس الأمن الدولي، أو المدعي العام للمحكمة
الجنائية الدولية.
- إجراءات
التحقيق: تشمل
تحقيقات مكثفة، جلسات استماع للشهود، وجمع الأدلة.
- قرارات: تصدر
أحكامًا بالإدانة أو البراءة، ويمكن أن تشمل عقوبات مثل السجن.
4 الأهداف والوظائف
محكمة العدل الدولية:
- الأهداف: تهدف
إلى حل النزاعات القانونية بين الدول وتعزيز احترام القانون الدولي.
- الوظائف: تقديم
آراء استشارية قانونية للأمم المتحدة ووكالاتها.
المحكمة الجنائية الدولية:
- الأهداف: تهدف
إلى محاسبة الأفراد على الجرائم الدولية الجسيمة ومنع الإفلات من العقاب.
- الوظائف: تحقيق
العدالة لضحايا الجرائم الفظيعة وتعزيز السلام والأمن الدوليين.
5 التحديات والنقد
محكمة العدل الدولية:
- التحديات: قد
تواجه صعوبات في تنفيذ قراراتها بسبب سيادة الدول ورفض بعضها الامتثال.
- النقد: يُنتقد
أحيانًا بسبب بطء الإجراءات واعتمادها على قبول الدول اختصاصها.
المحكمة الجنائية الدولية:
- التحديات: تواجه
صعوبات في إحضار المتهمين للمحاكمة، خاصة إذا كانوا يتمتعون بدعم دولي قوي.
- النقد: تُنتقد
أحيانًا بسبب التركيز الكبير على دول معينة دون غيرها والتدخل في السيادة
الوطنية.